الأمم المتحدة تبحث عن التوازن.. الذكاء الاصطناعي في خدمة البشرية أم تهديد عالمي؟

الأمم المتحدة تبحث عن التوازن.. الذكاء الاصطناعي في خدمة البشرية أم تهديد عالمي؟
قمة الأمم المتحدة للذكاء الاصطناعي في جنيف

رغم الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الصحة والتعليم والاستجابة للكوارث، فإن تصاعد الاعتماد عليه دون ضوابط واضحة يثير مخاوف جدية على المستوى العالمي، من أبرز هذه الأخطار: التحيز الخوارزمي، والتمييز، وانتشار المعلومات المضللة، وزيادة الفجوة الرقمية بين الدول، فضلاً عن تهديدات محتملة للخصوصية والأمن الوظيفي.

ومع ظهور أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات معقدة بشكل مستقل، تتزايد المخاوف من فقدان السيطرة على هذه التقنيات. في المقابل، تدعو المنظمات الدولية إلى تبني أطر حوكمة شاملة، وتعزيز الشفافية، والاستثمار في تعليم الذكاء الاصطناعي المسؤول، ووضع تشريعات وطنية ودولية تواكب سرعة التطور التكنولوجي، وتؤكد الأمم المتحدة أن التعاون العالمي والتشريعات الأخلاقية الصارمة هما السبيل الوحيد لضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي الإنسان والكوكب على حد سواء.

وانطلقت، يوم الثلاثاء في مدينة جنيف، قمة الأمم المتحدة الكبرى للذكاء الاصطناعي تحت شعار "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير"، بمشاركة حكومات، وقادة تقنيين، وأكاديميين، وممثلي المجتمع المدني والشباب، وتستمر القمة لمدة أربعة أيام، لبحث كيفية توجيه تطورات الذكاء الاصطناعي السريعة نحو الصالح العام، وتفادي أخطاره المتزايدة، لا سيما في ما يتعلق بعدم المساواة، والتضليل، وتدهور البيئة.

جيل الذكاء الاصطناعي

وفي كلمتها الافتتاحية، قالت دوريين بوغدان-مارتن، رئيسة الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، وفق ما أورده موقع أخبار الأمم المتحدة، إن العالم يعيش اليوم في عصر "جيل الذكاء الاصطناعي"، لكنها أكدت أن الانتماء لهذا الجيل يتجاوز الاستخدام اليومي للتقنيات، ليشمل المساهمة النشطة في تعزيز المهارات وبناء وعي مجتمعي شامل من الطفولة وحتى التعلم مدى الحياة.

وحذّرت بوغدان-مارتن من الاستخدام غير المنضبط للذكاء الاصطناعي دون فهم أو إشراف كافٍ، مضيفة: "الخطر الحقيقي لا يكمن في أن يقضي الذكاء الاصطناعي على البشر، بل في هذا السباق المحموم لدمجه في كل جانب من جوانب الحياة، دون أن ندرك تماماً تأثيره على الناس والكوكب".

وتعكس هذه التصريحات شعوراً متنامياً بالقلق لدى صناع السياسات والخبراء، مع ظهور نماذج ذكاء اصطناعي تفكر وتنفذ قراراتها بشكل مستقل بوتيرة لم يسبق لها مثيل، ويتوقع بعض الخبراء أن تظهر تقنيات تتفوق على الذكاء البشري خلال ثلاث سنوات، ما يزيد من المخاوف بشأن التحيز، والسلامة، واستهلاك الطاقة، وصعوبة التنظيم.

وتؤكد بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات أن 85٪ من الدول لا تمتلك أي سياسة أو استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، ما يثير القلق حول اتساع الفجوات الرقمية والتنموية بين الدول.

أكثر من 200 ابتكار معروض

تحتضن القمة أكثر من 200 عرض تقني ضمن مساحة عرض تتجاوز 20,000 متر مربع في مركز "باليكسبو" بجنيف، ومن أبرز المعروضات: سيارة طائرة، وأجهزة ذكية لمراقبة جودة المياه مستوحاة من سلوك الأسماك، وواجهات دماغية حاسوبية، وأدوات ذكية للتعامل مع الكوارث.

كما تشهد القمة عروضاً من فرق شبابية من مجتمعات محرومة، تقدم حلولاً مبتكرة لإدارة النفايات، والتعافي من الكوارث، بالإضافة إلى مصنع الابتكار، الذي تعرض فيه الشركات الناشئة أدوات ذكاء اصطناعي مخصصة للتعليم والتغير المناخي.

ومن العروض الحية اللافتة: روبوت زراعي مستقل، ومرحاض متنقل ذاتي التعقيم، ونظام طائرات مسيرة لمراقبة التنوع البيولوجي والآفات.

الصحة في صدارة الأولويات

يوم الأربعاء، سيتركز محور النقاشات على الصحة، حيث تقود منظمة الصحة العالمية جلسة بعنوان "تمكين الذكاء الاصطناعي لابتكار الصحة والوصول إليها"، تجمع بين تقنيين ومنظمين وأطباء وعاملين إنسانيين، وتهدف الجلسة إلى استكشاف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين تقديم الرعاية الصحية، خصوصاً في المناطق ذات الموارد المحدودة.

وتشمل التطبيقات المنتظرة: أدوات للفرز في غرف الطوارئ، وتقنيات تشخيصية للعيادات الريفية. كما سيتم استعراض موجز تقني مرتقب من منظمة الصحة العالمية حول الذكاء الاصطناعي في الطب التقليدي، قبل إطلاقه رسمياً خلال القمة.

وسيبحث المشاركون أيضاً قضايا مثل: قابلية التشغيل البيني، والمواءمة التنظيمية، وحقوق الملكية الفكرية في تقاطع الذكاء الاصطناعي مع الصحة.

حوكمة الذكاء الاصطناعي

سيخصص يوم الخميس من القمة لموضوع "حوكمة الذكاء الاصطناعي"، حيث يشارك منظمو السياسات الوطنيون والمنظمات الدولية في مناقشة الفجوة المتسعة في الإشراف العالمي على التكنولوجيا.

ويأمل المنظمون أن يشكل هذا اليوم نقطة انطلاق نحو بناء أطر تنظيمية منسقة تقلل من الأخطار، وتضمن العدالة في الاستفادة من هذه التقنيات عالمياً.

وفي ختام القمة، سيتم الإعلان عن الفائزين بجوائز "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير"، والتي تكرم المشاريع التي تسخّر الذكاء الاصطناعي في خدمة "الناس، والكوكب، والازدهار".

وتهدف هذه الجوائز إلى تسليط الضوء على الاستخدامات الإيجابية للذكاء الاصطناعي، وتعزيز ممارسات مسؤولة يمكنها معالجة تحديات معقدة مثل الفقر، وتغير المناخ، وعدم المساواة.

أخطار الذكاء الاصطناعي 

وسبق أن حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل خطراً على السلم والأمن على المستويين المحلي والدولي، داعياً الدول الأعضاء إلى وضع ضوابط لإبقاء التقنية تحت السيطرة.

وقال غوتيريش في جلسة هي الأولى التي يخصّصها مجلس الأمن في يوليو 2023 للبحث في مسألة الذكاء الاصطناعي: "من الجلي أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير على جميع مناحي الحياة".

وتابع: "الذكاء الاصطناعي التوليدي لديه إمكانيات هائلة للخير والشر"، مشيرا إلى أن التقنية قادرة على المساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تعظيم الإنتاج وتطويره ووضع حد للفقر أو علاج السرطان، ومن الممكن أيضاً أن يكون لها "عواقب خطِرة جداً على السلام والأمن الدوليين وحقوق الملكية الفكرية". ومن جهة أخرى "الاستخدامات الضارة لأنظمة الذكاء الاصطناعي لأغراض إرهابية أو إجرامية أو لمصلحة دولة، يمكن أن تتسبب في مستويات مرعبة من الموت والدمار وتفشي الصدمات والضرر النفسي العميق على نطاق يفوق التصور"، بحسب غوتيريش.

يذكر أن قمة "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" تُعقد منذ عام 2017، بتنظيم من الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، وتعد أكبر تجمع دولي مخصص لاستكشاف دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتكتسب نسخة 2025 أهمية خاصة نظراً للوتيرة المتسارعة في تطوير النماذج التوليدية، والاهتمام العالمي المتصاعد بتنظيم التكنولوجيا الأكثر تأثيراً في مستقبل البشرية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية